حركتها وجولانها بإذن من خالقها وبمرأى من علمه وتحت تصرف قدرته لكان لابد أن يكون لها علم وقدرة بلا حدود ونهاية، وأن ترى كل شيء وتنظر إليه، وأن يكون أمرها نافذاً في كل شيء، لأن كل ذرة من ذرات العناصر تعمل أو يمكن أن تعمل بنظام ودقة في أجسام الكائنات الحية مع اختلاف نظمها وقوانين تفاعلها. فلو لم يكن علم بتلك النظم والقوانين المختلفة لما أمكن أن تعمل. ولو عملت لما أمكن أن تعمل عملاً بهذه الدقة وبهذا النظام البديع. فإذاً لابد إما أن تستند هذه الذرات إلى خالق الكائنات الذي أحاط كل شيء علماَ وقدرة وتعمل بأمره وبإذن منه، وإما أن تستند إلى نفسها وتكون هي ذات علم وقدرة محيطين.
نعم، إن كل ذرة من ذرات الهواء يمكن أن تعمل في جسم كل كائن حي وفي كل ثمرة وفي بناء كل ورقة من أوراق الشجر مع اختلاف قوانين هذه المفعولات ونظمها. مثلاً: لو كان مصنع فاكهة التين مماثلاً لمصنع الجوخ لكان مصنع الرمان مماثلاً لمصنع السكر أي إن خطة هذا الجسم لا تكون عين خطة ذاك الجسم، وخطة هذا البناء لا تكون خطة ذاك البناء. فهذه الذرة الهوائية تدخل -أو يمكن أن تدخل- في كل من تلك الأجسام والأبنية، وتعمل فيه بنظام ودقة لا عوج فيه ولا خبط، وبعد ما أدّت وظيفتها تعود من حيث جائت. فكل ذرة من ذرات هذا الهواء الجوال لابد إما أن تعرف صور جميع النباتات والحيوانات والثمرات والأزهار ومقاديرها وأشكالها، وإما أن تكون مأمورة تتحرك تحت إمرة من يعرفها وتعمل تحت قيادته. كما أن كل ذرة من ذرات هذا التراب الهادئ بما أنه يمكن أن يكون منبتاً لجميع بذور النبات