سواء علمت هذا أم لم تعلم. ويشف من تحت هذا طرف من قانون التحسين والجمال الأعظم.

وإنه تعالى بمقتضى قانون كرمه إذا منح كمالاً أو مقاماً لشيء لا يسترده منه بعد ما تم أجله وانقضت مدته؛ بل يخلف ورائه ثمرته ونتيجته ويديم حياة روحه إن كان ذا روح فالكمالات والنتائج التي نالها الإنسان لا تفنى كما يفنى جسم الإنسان؛ حتى إن الله تعالى سيعطى الجنة للمؤمن الذي يحمد الله تعالى ويشكره على ما رزقه من الطيبات الفانية أي يعيد له تلك الطيبات في الآخرة في صورة الجنة جزاء شكره لها. ويظهر من هذا جهة من قانون الرحمة السامية.

وإنه تعالى لم يخلق شيئاً عبثاً حتى إن ما أدى وظيفته وتم أجله من النبات والأوراق والحيوان في فصل الخريف يستعمل الله تعالى انقاضه في بناء صنعه في فصل الربيع فإدماج هذه الذرات الأرضية الجامدة التي تؤدي في هذه الأرض وظائف مهمة في بناء الآخرة التي هي بجميع أحجارها وأشجارها حية من مقتضى الحكمة حيث إن ترك ذرات الدنيا التي قضت نحبها في عالم الفناء أو محوها من الوجود إسراف وعبث كما تشير إليه آية: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ اْلاَرْضُ غَيْرَ اْلاَرْضِ﴾ (ابراهيم: 48) وآية: ﴿وَاِنَّ الدَّارَ اْلآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ (عنكبوت: 64) ويتبين من هذا ناحية من قانون الحكمة العظمى.

 وإنه يصدر كثيراً من آثار هذه الدنيا ونتائجها ومن منسوجات أعمال الجن والإنس وصحائف أعمالهم، ومن الأرواح والأجساد إلى معرض الآخرة، فإدماج هذه الذرات في بناء عالم الآخرة بعدما بلغت ذروتها في أداء مهمتها وفعلت في سبيل الحياة الشيء الكثير وامتثلت أمر