وكذا: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف: 54) يبين القرآن في هذه الآية عظمة القدرة الإلهية وسلطنة الربوبية. ويفيد بأن الشمس والقمر والنجوم مسخرة لأمره ومنقادة له. يقلب الليل النهار كأنهما خيطان أو حبلان أحدهما أبيض والآخر أسود. ويكتب آيات الربوبية على صحيفة الكون، وهو القادر ذو الجلال الذي استوى على العرش.. فكل من سمع بقلبه هذا، فسيرى نفسه مضطراً لأن يقول: «بارك الله، ما شاء الله، فتبارك الله رب العالمين» فجملة «تبارك الله رب العالمين» هي خلاصة الجمل السابقة وثمرتها وماء حياتها.
الإشارة الخامسة: مزية الجزالة. إن القرآن يذكر في بعض الأحيان الجزئيات المادية التي هي معروضة للتغير ولكيفيات وأحوال مختلفة. ولكي يقلبها إلى صورة الحقائق الثابتة يجملها في آخر الأمر بالأسماء النورانية الكلية. أو يأتي في آخر الكلام بفذلكة تحث على التفكر والاعتبار.
ومن أمثلة المعنى الأول هذا المثال: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ اْلأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِى بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة: 31-32) فتذكر هذه الآية حادثة جزئية. وهي أن سبب رجحان آدم في الخلافة على الملائكة هو العلم. ثم تذكر بعد ذلك حادثة مغلوبية الملائكة وغالبية آدم -عليه السلام- في قضية العلم. ثم تعقب ذلك بإجمال هاتين الحادثتين بذكر اسمين كليين من الأسماء الحسنى