اتخذ لترتيب الجيوش وجهادهم معسكرين، وبعد تمام شئون التدريب والجهاد أخذ القائد العام يستعمل ذينك المعسكرين في وظائف أخرى ويبدلهما. ولأجل هذه المناسبة صار كل من المعسكرين يقول إما بلسان جنوده أو بلسانه إذا امكن له النطق: أيها القائد انظرني مدة يسيرة من الزمن حتى اتخلى عن بقايا أشغالي السابقة وأتطهر عما خلفته وراءها. وبعد ذلك تفضل! ثم يقول قد تخليت وتطهرت وأنا ممتثل أمرك ومنقاد لك فافعل ما تريد. كل ما تفعله حق وحسن. فكذلك المولى جل وعلا اتخذ الأرض والسموات ليكونا موطن التمرين والفحص لعباده. وبعد ما ينقضي الزمن المحدود للتمرين والفحص ستتخلى الأرض والسماء بإذن الله تعالى من الأشياء التي لها علاقة بالتمرين والفحص. ويقولان: يا ربنا استخدمنا فيما تريد! فالامتثال علينا واجب حق، وكل ما تفعله حق. فانظر إلى علو هذا الأسلوب الخارق في هذا الجمل وأمعن النظر فيه!.

وأيضاً مثلاً: ﴿يَا اَرْضُ ابْلِعِى مَائَكِ، وَيَا سَمَاءُ اَقْلِعِى، وَغِيضَ الْمَاءُ، وَقُضِىَ اْلاَمْرُ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىِّ، وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (هود: 44) نفرض هنا في مرآة التمثيل أسلوب قطرة من بحر بلاغة هذه الآية. وذلك كما أن قائد القوات الحربية في حرب شاملة، بعد ما هزم الأعداء يقول لفريق محارب من فرق جيشه قف! فيقف من غير تريث. ويأمر فريقاً آخر سائلاً بأن يكف عن هجومه فيكف. ويقول: قضي الأمر، واستوينا على الأعداء، وأقيم علمنا على قلعة الأعداء، وذاق أولئك الظالمون الذين تضعضعوا إلى أسفل المراتب عاقبة أمرهم، فكذلك قائد الكون الذي لا نظير له أمر الأرض والسماء أن تمحقا قوم نوح وبعد ما امتثلا الأمر توجه قائلا: أيتها الأرض ابلعي مائك، ويا سماء اقلعي! فقد انقضى الأمر وانتهت مهمتكما، فغاض الماء