لا يستهان به إلا أن بلاغته حينما قيست ببلاغة القرآن التي تملك ما لا حد له من الحسن والجمال عد كلامه هذيانا، ونقل إلى صفحات التاريخ بقصد الاستهزاء والسخرية، فنتج عن هذه الإشارة أنه لا شك في إعجاز بلاغة القرآن وهو بديهي بداهة أن ضرب الاثنين في الاثنين أربعة.
الصورة الثانية
تبين حكمة إعجاز بلاغة القرآن في خمس نقط
النقطة الأولى: لنظم القرآن جزالة خارقة. وقد بين كتاب (إشارات الإعجاز) هذه الجزالة. فكما أن أميال الساعة العادة للثواني والدقائق، والساعات يتمم كل منها نظام الآخر، فكذلك الجمل القرآنية وكلماتها يتمم بعضها البعض وتتجاوب وتتداعى، وكتاب (إشارات الإعجاز) من أوله إلى آخره شاهد صدق على هذا، فمن أراد أن يرى تلك الجزالة الخارقة فليراجعه، ونريد أن نعطي مثالين حتى يتبين نظم الكلمات المتعانقة لكل جملة منها.
المثال الأول: ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ﴾ (الانبياء: 46) سيقت هذه الجملة للتهويل من العذاب بتصوير ما لأقله من شدة التأثير، فنري أن هيآت هذه الجملة تنظر إلى هذا التقليل وتمده.
أفلا ترى أن التشكيك في (إِنْ) كيف يمد التقليل، حيث إن الشك يفيد القلة. و(الْمَسَّ) بقليل الإصابة كيف يشير إلى القلة والتحقير في جوهر (نَفْحَةٌ) كيف يلوح بالقلة، كصيغة (نَفْحَةٌ) التي تدل على المرة وتنوينها. والبعضية المستفادة من (مِنْ) كيف تومئ إليها. وتبديل النكال والعقاب بالعذاب الذي هو أخف بالنسبة إليها، كيف يرمز إليها