وإن ألوف الأئمة والأدباء المتفننين من دهاة علم البلاغة أمثال عبد القاهر الجرجاني والسكاكي والزمخشري أقروا بالإجماع على أن بلاغة القرآن فوق طاقة البشر لا يمكن أن ينالها أي انسان.
وإن القرآن منذ ذلك الزمان ما زال يتحدى الأدباء والبلغاء الذين تغلب عليهم الفخر والأنانية، وينال من عتوهم وتعاليهم قائلاً لهم: «ائتوا بسورة تضاهي القرآن وإلا فسيلحقكم الدمار في الدنيا والآخرة وتتسمون بوسام الذل والعار» يعلن هذا التحدي على الملأ. ولكن بلغاء ذلك العصر المتمردين تركوا السبيل القصير وهو المضاهاة بإتيان سورة من مثله. وسلكوا السبيل الطويل، سبيل الحرب الذي يأتي بالويل والدمار على الأموال والأرواح. فبرهنوا بذلك على أنه لا يمكن المسير في ذلك السبيل القصير.
وإن ما كتبه أصدقاء القرآن وأعدائه تقليداً له تحت تأثير الحب والغرام أو تحت تأثير المعارضة منذ ذلك الزمان من ملايين الكتب العربية موجود أمامنا بما فيها من الكتب الراقية بتلاحق الأفكار وتمخض الزمان عن الحقائق. ولكنه ما أمكن لأي كتاب أن يصل إلى درجة القرآن. حتى إنه لو استمع أي عامي لما يتلى من القرآن، لاضطر لأن يقول: إن هذا القرآن لا يشبهها أي تلك الكتب، ولا هو في درجتها. فهو إما أسمى منها كلها، أو أدنى منها. ولكنه لا يوجد أي أحد حتى ولا جاحد ولا أحمق يقول: إن القرآن أدنى منها. فنتج عن هذا أن درجة بلاغة القرآن أسمى من كلها.