المثال الثاني: تنقل الكتب الصحيحة وفي مقدمتها البخاري ومسلم أن يهودية أهدت للنبي r بخيبر شاةً مصلية سمتّها بسمّ مؤثر فابتدأ الصحابة بالأكل منها، فقال r: «ارفعوا أيديكم إنها أخبرتني أنها مسمومة..» فرفع كل يده، ولكن مات بشر بن البراء بلقمة واحدة أخذها بسمها الشديد. فدعا تلك اليهودية المسماة بزينب، وقال: «ما حملك على ما صنعت»؟ فقالت تلك الشريرة: إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك.[1] وفي بعض الروايات: إنه لم يأمر بقتلها، وفي بعض: فأمر بها، فقتلت. وقال أهل التحقيق: لم يأمر بقتلها وإنما سلمها لأهل بشر فقتلوها.[2]
ثم استمع إلى ثلاث نقط تبين وجه إعجاز هذه الحادثة الغريبة:
النقطة الأولى: جاء في رواية: أنه حينما أخبرت الشاة أنها مسمومة، سمع قولها بعض الصحابة.[3]
النقطة الثانية: جاء في رواية: أنه بعد ما أخبر الرسول r عن القضية قال: «قولوا: بسم الله ثم كلوا! فانه لا يضر السمّ بعده»[4] وهذه الرواية وإن لم يقبلها ابن حجر العسقلاني إلا أنه قبلها غيره من العلماء.
النقطة الثالثة:لقد اطمأن كل أحد وقوي إيمانه بقول النبي r الذي لم يثبت قط مخالفته في أي وقت مضى واقتنع بانكشاف تلك الحادثة وكأنها أنبئت عن غيب وجعلت دسائس اليهود عقيمة وصار كل
________________
[1] - صحيح البخاري، طب: 55 ، مغازي: 41 ، أبو داود، ديات: 6 ، المسند: 2/451[2] - الحاكم، المستدرك: 3/219-220 ، علي القارئ، شرح الشفاء: 1/644-645[3] - أبو داود، ديات: 6 ، الدارمي، مقدمة: 11[4] - الهيثمي، مجمع الزوائد: 8/296 ، علي القارئ، شرح الشفاء: 1/645