وقوعه عذاب له أيّ عذاب. ولهذا السر كان زمن الموت والأجل خفياً وكانت النوائب التي تصيب الإنسان مخبوءة في طوايا الغيب. فكان من مقتضى الحكمة الربانية والرحمة الإلهية أن لا يطلع نبيه عليه الصلاة والسلام على ما سينتاب آله وصحبه وأمته من بعده من الحوادث المزعجة المؤلمة رفقاً بعاطفته حيث إن رحمته بامته ورأفته بآله وأصحابه كثيرة وشديدة[1] الاّ انه تعالى علّمه بعض الحكم الحوادث الهامة -ولكن ليس بصورة مزعجة- فأخبر النبي r عنها، كما علمه بعض الحوادث السارة مجملاً أو مفصلاً فأخبر عنها هو. ونقلها عنه بطريق صحيح المحدثون الكمل الذين هم في أعلى درجة التقوى والعدالة والصدق، والذين يخشون الله كل الخشية من التهديد في حديث: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»[2] ومن الزجر الشديد في آية: ﴿فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ﴾ (الزمر: 32)

الأساس السادس:أن أحوال الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام وأوصافه قد بيّنت بصورة السير والتاريخ. مع أنها تنظر أغلبها إلى كونه بشراً. وفي واقع الأمر أن شخصيته المعنوية وماهيته القدسية عالية نورانية بحيث لا توافق قامته السامية وقيمته العالية. تلك الأوصاف المذكورة في كتب السير والتاريخ. فبسرّ (السبب كالفاعل) يكتب كل يوم حتى الآن في صحيفة كمالاته عبادة تعادل عبادة جميع أمته وتحفّه

_________________[1] - إن الله سبحانه وتعالى لم يطلع النبي صلى الله عليه والسلم في بادئ الأمر على أن واحدة من زوجاته الطاهرات ستكون في وقعة الجمل، لذلك قال لهن: «ليتني كنت أدري من تكون منكن في وقعة الجمل» وذلك رأفة بما يكنه تجاه عائشة الصديقة من الحب الشديد والشفقة، إلا انه بعد حين أطلعه الله على اجماله فقال لعلي t إذا جرت بينك وبين عائشة رضي الله عنها أية حادثة: «فارفق بها وبلغها مأمنها» (انظر مسند الإمام أحمد: 6/393 )[2]  - صحيح البخاري، علم: 38 ، صحيح مسلم، مقدمة: 2 ، زهد: 72