حتى إن كل من له سمع وقوة يمكن أن يفهم شيئاً من القرآن الحكيم من العوام، ويعترف في أعماق نفسه حينما يتلى القرآن بأنه كتاب لا يشبه أي كتاب. ويقول العامي: هذا القرآن إما هو تحت الجميع، ولكنه لا يمكن أن يقوله أي عدو مهما كانت عداوته ومحال.. فهو فوق الكتب المسموعة فهو إذاً معجزة.
ونوضح هذا الإعجاز الذي يفهمه العامي ذو السمع حتى نقويه شيئاً ما، فنقول: لما برز هذا القرآن المعجز البيان إلى الوجود أخذ يتحدى جميع الناس، وكان هناك عاملان قويان يدعوان للإتيان بمثله.
أحدهما: شوق تقليد الأصدقاء أي حب التشبه بأسلوب القرآن المحبوب والتكلم مثل كلامه.
ثانيهما: حرص التنقيد والمعارضة، أي حب المقابلة بأسلوب القرآن وإبطال دعواه بالإتيان بمثله. وقد كتب تحت تأثير هذين العاملين ملايين الكتب باللغة العربية. ولكنه لو قورن أبلغ هذه الكتب وأفصحها بالقرآن الحكيم، لقال كل من سمعها من غير تردد: إن القرآن لا يشبه أي واحد منها، وهو ليس في درجته. وهو إما تحت جميعها وهذا كما أنه محال لا يقول به أحد حتى الشيطان[1] فثبت أن القرآن المعجز البيان فوق جميع هذه الكتب التي ألفت. حتى إن القرآن يبدي إعجازه للعامي الذي لا يفهم من القرآن شيئاً بعدم ايراثه السآمة والضجر. نعم، يقول ذلك العامي الجاهل: إن استمعت أي بيت من الشعر مرتين أو ثلاثاً يورثني السآمة والملل. أما القرآن فيزيدني استماعه لذة بله السآمة والملل. فهو إذاً ليس بكلام الناس.
______________________
[1] - والمبحث الأول من المكتوب السادس والعشرين هو عبارة عن شرح جملة (لا يقول به أحد حتى الشيطان) وإيضاحها.