نعم، إن امتلاء عالم الأرواح الذي هو نوع من عالم الغيب بالأرواح التي هي عين الحياة ومادتها وجوهرها، يستلزم أن يكون القسم الثاني من عالم الغيب الذي هو عبارة عن الماضي والمستقبل مظهراً لتجلي الحياة، وإن الانتظام الأكمل الذي هو في كل ما له وجود علمي، والأوضاع التي لها مغزى كبير، والثمار الحية وأطوارها لتدل على أن له مظهراً من مظاهر الحياة المعنوية.
نعم، إن مثل هذا التجلي -تجلي الحياة- الذي هو ضياء شمس الحياة الأزلية ليس منحصراً في عالم الشهادة والحال والوجود الخارجي، بل إن كل عالم حسب استعداده وقابليته مظهر لتجليات ذلك الضياء، وكل عالم في الكون حي مشع بذلك التجلي، وإلا لصار كل عالم ميتة عظيمة مدهشة تشف من تحت هذه الحياة الموقوتة الظاهرة، عالماً مظلماً خاوياً من معاني الحياة، كما تراه عين الضلالة.
وأنت كما ترى يتبين وجه من وجوه ركن الإيمان بالقدر والقضاء بسر الحياة وتتضح به -أي كما تتبيّن حياة عالم الشهادة وهذه الأشياء الحاضرة بانتظامها ونتائجها، فكذلك المخلوقات الماضية والمستقبلة التي تعد من عالم الغيب لها وجود معنوي، وثبوت علمي ذو روح- يظهر أثر تلك الحياة المعنوية باسم المقدرات بواسطة لوح القضاء والقدر.