Kitaplar
رسالة مبحث الحشر

 في هذه الأرض أفقر مخلوق وألطفه، ويسخر له النبات والحيوان وينصبه عليها مشرفاً ينظم لها حياتها وتسبيحها وعبادتها، ويجعله مقياساً لما يجري في هذا الكون، ودلاّلاً يعلن بحاله وقاله ربوبيته تعالى، ويمنحه مقاماً أعلى من مقام الملك، وينوط به وسام الخلافة.. ثم بعد ذلك يحرمه من السعادة الأبدية التي هي غاية الوظائف التي توكل للعبادة ونتائجها وثمراتها، ويرمي به في درك أشد تعاسة وذلة من سائر ذوي الحياة، ويجعل هذا العقل المبارك المنور الذي من شأنه أن يسعد الإنسان، والذي هو هدية الحكمة آلة تعذيب، تجعل الإنسان منحوساً وتزجه في ظلمة مظلمة يجعله منافياً لحكمته ورحمته المطلقة. تعالى الله عن ذلك.

والحاصل؛ أننا كما رأينا في القصة أنه يقيد في دفتر القائد رتبته وما وكل إليه من الأعمال وخطة حركته ومعداته، ويوحي هذا بأن هذا القائد ليس لهذه الساحة المؤقتة وإنما هو على وشك السفر إلى دار ذات قرار، ولها يجد ويسعى. فكذلك -كما أخبر به ذوو القلوب- أن هذه اللطائف المرتبطة بدفتر قلب الإنسان، وهذه الحواس المتصلة بعقله، وهذه المعدات المخزونة في قواه واستعداده متوجهة إلى السعادة الأبدية ولأجلها منحت، ولأجلها جهز هذا الإنسان.

وعلى سبيل المثال؛ إنه لو قيل للقوى الخيالية التي تخدم العقل وتصور له الصور: سيمد في عمرك ألف ألف سنة، وستكونين أكبر قائد في الدنيا، إلا أنه بعد ذلك ستفنين وسيكون زوال لا رجعة بعده.. فلابد من أنك ستسمع منها التلهف والتحسر بدل الفرح والسرور.. -اذا لم يغرّها الوهم ولم تخدعها النفس- فهذه الدنيا الفانية وما فيها لا يمكن أن تشبع أصغر آلة للإنسان وأضعف جهاز له.. ويتضح جلياً من هذه

Hata Bildirim Formu
Sayfalar
123456789101112131415161718192021222324252627282930313233343536373839404142434445464748495051525354555657585960616263646566676869707172737475767778798081828384858687888990919293949596979899100101102103104105106107108109
Fihrist
Lügat