Kitaplar
رسالة مبحث الحشر

 الأساس الأول: إنك تعلم أن هذه الدنيا التي تشبه تلك الدار لم تتكون لنفسها، ولا من لدن نفسها، وإنما أنشأت بحكمة لتكون نقطة حلّ وارتحال لقوافل الموجودات، ودار ضيافة تكتظ يوماً بالمسافرين وتخلو يوماً.

الأساس الثاني: إنك تعلم أن هؤلاء القاعدين في هذه الدار سُفْر يدعوهم ربهم الكريم إلى دار السلام.

الأساس الثالث: إنك تعلم أن ليس المقصود من هذه الزينة والمتاع الدنيوي هو التلذذ والتمتع. إذ أنه إن أعطاك لذة زماناً فسيؤلمك بفراقها أزماناً. وانه يذيقك ولكنه لا يشبعك، امّا لقصر عمرك أو لقصر عمرها لا يفي حتى تشبع. فإذا هذه الزينة القيمة والمتاع الثمين الذي يعيش مدة يسيرة من الزمن، إنما هو للاعتبار[1] والحمد لله تعالى، والحض على الوصول إلى أصولها ولغايات سامية.

الأساس الرابع: إنك تعلم أن هذه الأمتعة إنما هي أنموذج وصور للنعم التي أدخرتها الرحمة الإلهية في الجنة للمؤمنين.[2]

_____________________________________________________________

[1] - نعم، اذا كانت قيمة كل شيء ودقائق صنعته هكذا عالية حسنة، مع ان زمنها يسير وعمرها قليل. فاذا تلك الأشياء نماذج وصور لأشياء أخرى. تجلب انظار زبائنها إلى الحقائق الأصلية فلا غرابة في ان يقال:«ان هذه التزيينات الدنيوية ان هي الا نماذج لنعم الجنان التي هيأها الرحمن الرحيم بلطفه لمن أحب من عباده».[2] - نعم، إن لوجود كل شيء غايات ولحياتها نتائج متعددة. وليست بمنحصرة على الغايات التي تنظر إلى الدنيا وإلى نفسه، كما يتوهم اهل الضلالة، حتى يكون هناك عبث أو صدفة. بل إن غاية وجود كل شيء ونتائج حياته ثلاثة أقسام؛

الأول: وهو اعلاها: ينظر إلى صانعه وهو عرض الصنعة الخارقة المزينة التي ناطها الصانع به على الشاهد الأزلي. ويكفي لذلك حياة آنية حتى أنه يكفي الاستعداد الذي هو بمثابة النية قبل وجوده. فهذه المصنوعات اللطيفة التي هي سريعة الزوال والبذور التي لا تفتق ولا تثمر تفيد هذه الغاية كلها. فلا يكون هناك أي عبث، أو صدفة. فاعلان كل شيء بحياته ووجوده معجزات قدرة الصانع وأثار صنعته، وعرضها على الملك ذي الجلال، هي الغاية الاولى.

الثاني: ان غاية وجود كل شيء ونتيجة حياته تنظر إلى ذوي الشعور. أي ان كل شيء كأنه مكتوب آلهي يحتوي على الحقائق، وقصيدة لطيفة وكلمة حكمة يعرضها على انظار الملائكة والجن والحيوان والانسان، ويدعوهم إلى التأمل. فهو محل التأمل لكل ذي شعور.

الثالث: ان غاية كل شيء ونتيجة حياته تنظر إلى نفسه وهي التلذذ والتنـزه والبقاء والحياة «حياة هنيئة» وامثالها من النتائج الجزئية. مثلا: ان نتيجة عمل الملاحة في سفينة ملكية اذا كانت تعود فائدتها بنسبة واحد في المأة إلى الملاح.. فهي تعود بنسبة تسعة وتسعين في المأة إلى الملك الذي يملكها.

والسر في التوفيق بين الحكمة والاقتصاد، وبين الجود والسخاء العام الذين هما كالضدين هو تعدد الغايات. وبيان هذا؛ انه اذا لوحظت غاية بمفردها فيسود الجود والسخاء ويتجلى اسم الجود. وتكون الثمار والحبوب حسب تلك الغاية الملحوظة بغير حساب تفيد جوداً لا حصر له. اما اذا لوحظت الغايات كلها فتحكم الحكمة ويتجلى اسم الحكيم. فبمقدار ثمار الشجرة تكون لها غايات، حتى يمكن ان يكون لثمرة واحدة من ثمارها، تلك الغايات التي توزع على هذه الأقسام الثلاثة التي ذكرناها. وهذه الغايات تشير إلى حكمة واقتصاد لا حد لهما. فتتجمعت الحكمة والجود اللذان هما كالضدين. مثلا ان الغاية من الجيش هي محافظة الأمن والنظام. فاذا ما نظرنا إلى هذه الغاية فبأيدينا الكثير، وفوق المطلوب. أما اذا نظرنا إلى سائر الغايات من خفظ الحدود ومحاربة الأعداء وغيرها فهو لا يتجاوز الحد المطلوب، بل انما يوزن بميزان الحكمة. فيتجلى من هنا اجتماع حكمة الحكومة مع الحشمة، فاذاً قد تبين ان الجيش ليس فوق الحد المطلوب. 

Hata Bildirim Formu
Sayfalar
123456789101112131415161718192021222324252627282930313233343536373839404142434445464748495051525354555657585960616263646566676869707172737475767778798081828384858687888990919293949596979899100101102103104105106107108109
Fihrist
Lügat