كافة الناس، ويحبه الحاكم نفسه، وتقتضيه رحمته وعدالته، وهو عليه هيّن ليس بعسير.

فإذا أنفق هذا الحاكم هذه النفقات الباهظة وأنشأ هذه البلدة لكي يعلن أنموذجاته أنموذج تلك النعم في هذه المدة اليسيرة. فلابد من أن يعلن للملأ خزائنه وكمالاته وصنعته في مقر سلطنته، ويفتح للناظرين آفاقاً تحتار فيها العقول.

فإذاً هؤلاء الذين أخذوا إلى دائرة الفحص، ليسوا مسيبين، فقصور السعادة أو حفير الشقاء في انتظارهم.

الصورة السادسة:

تعال، انظر إلى هذه القطارت والطائرات والمعدات والمخازن والأجنحة والنشاطات المحتشمة حتى تتيقن بأنها بلا ريب تلمح بأن وراء الستار سلطنة عظمى[1]تحكم وتدبر. وتريد أن يكون لها مواطنون يليقون وشأنها

_______________________________________________________________________

[1] - كما أنه يقلد في هذا الزمان في ساحة المناورات أساليب الحروب بقول: «خذ السلاح وسل الحربة» وتدجج الجيوش بالأسلحة والمعدات. وكما يؤمر الضباط وضباط الصف للاحتفال الذي يجري في كل يوم عيد، يقول: «علقوا اشاراتكم وخذوا اوسمتكم، وتزين الثكنات بأنواع الزينة فتعود وكأنها رياض» فكذلك الحق سبحانه وتعالى يأمر النباتات بالجهاد حفظاً لحياتها بقوله: ﴿كُنْ﴾ أي بقوله: «خذوا أسلحتكم ومعداتكم» يأمرها بأن تأخذ الأسلحة والمعدات أمام جنود سلطان الأزل التي لا تعد ولا تحصى من الملك والجن والإنس والحيوانات. فتأخذ الأشجار والنباتات ذوات الأشواك أسلحتها وحرابها.

وإن كل يوم من أيام الربيع وكل أسبوع منه كأنه عيد لطائفة من طوائف النباتات التي تمر يوم العرض لتعرض على نظر شهود واشهاد سلطان الأزل الهدايا اللطيفة والأوسمة المرصعة التي منحها إياها للعرض، فكأن النباتات والاشجار تستمع إلى أمر الله سبحانه وتعالى بقوله: «خذوا هذه الصنعة الربانية المرصعة لتفتح زهوركم وورودكم التي هي أوسمة الخلقة الإلهية» فيعود وجه الارض وكأنه ثكنة علقت عليها الإشارات والأوسمة المرصعة في يوم عيد عظيم أجري فيه عرض كبير.

فهذه التجهيزات الحكيمة المنتظمة وأنواع الزينة تظهر لمن له عين ترى بأن هذا إنما هو بأمر الملك القدير الذي لا نهاية لقدرته والحاكم الذي لا نهاية لحكمته