مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فان كل من أجال نظره في صفحات التاريخ يعلم جيداً بأن الغرب الصليبي كان من ألدّ أعداء الإسلام وأشد خصومه؛ حاربه سنين طوالاً من غير رفق وهوادة، وبكل وقاحة وشراسة حتى كاد أن يقضي عليه ويجعله في خبر كان، ولكن الله القدير القائل: ﴿اِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَاِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9) قيض له رجالاً مخلصين آمنوا به وجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم وذادوا عنه، حتى دفعوا أعدائهم إلى أن دقوا أبواب (فيينا) في أواسط أوروبا، وظل زمام الأمر في أيدي المسلمين قروناً هكذ، ثم دار الزمان دورته، فاستيقظ الغرب، وخرج من دركات التعصب ونفض عن كاهله غبار الغفلة، وأخذ شوطاً في مضمار الصناعة والانتاج المادي، فدفعت به عقدة الحقد والعداوة التي ورثها عن أجداده إلى النيل من المسلمين والغارة عليهم.
وبعدما استقر به المقام في أوطانهم صار ينفث فيهم السموم القاتلة، ويمعن في غزو عقولهم وقتل ضمائرهم، كما غزي بلادهم وأوطانهم،