والاجتماع مع الأحبة في دار الآخرة. وهذا الفرح هو الفرح الذي يمنحه القرآن المعجز البيان، والذي يسوق البشر إلى الجنة.. إلى السعادة الأبدية.. إلى رؤية جمال الله..
وبعض من الأغبياء يظن بأن ما تفيده آية: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ اْلإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (الإسراء: 88) محال، جيء بها لبلاغة بولغ فيها، حاشاها من ذلك. فليس في هذه مبالغة، ولا هي بمحال وإنما هي بلاغة حقة، وممكن له وجود في الواقع. ومعنى هذا؛ أنه لو اجتمع أحسن ما يقال من كلمات الإنس والجن التي لم تترشح من القرآن لم تكن مثلا له، وما كان له مثل في أي زمن. ولو كان لرأيناه أو سمعناه.
أو أن حكمة الفلسفة والأدب غير الإسلامي وهذه المدنية التي هي عصارة أفكار الجن والإنس والشياطين، وحصيلة أعمالهم عاجزة أمام أحكام القرآن وحكمتها وبلاغتها. كما رأينا نماذجها.
اللمعة الثالثة: إن القرآن الحكيم كأنه متوجه رأساً لكل طائفة من طوائف البشر في جميع العصور يلقي عليها خطابه. نعم! إن هذا القرآن الذي يدعو جميع طوائف بني آدم إلى الإيمان الذي هو أعلى العلوم وأدقها، وإلى معرفة الله التي هي أوسع الفنون وأكثرها ضياء، وإلى الأحكام الإسلامية التي هي أهم المعارف وأكثرها انواعاً لابد من أن يكون الدرس الذي يلقيه على تلك الطوائف درساً يوائم فهم كل منها ويعطيها حظها.
نعم، إن الدرس الذي يلقيه القرآن واحد، ولذلك لابد من أن يوجد في ذلك الدرس طبقات الافهام. فكل طائفة ونوع يأخذ حصته من منظر من المناظر القرآنية. وقد وافينا بأمثلة كثيرة لهذه الحقيقة. ونكتفي هنا بالإشارة بمثالين إلى حظ بعض الطوائف من الفهم منهما.
المثال الأول: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ (الإخلاص: 3-4) حظ طبقة العوام التي تشكل الأكثرية المطلقة هو: أن الله تعالى منـزه عن كونه والداً وولداً ومنـزه عن الأنداد والزوجة. وحظ الطبقة المتوسطة هو