على الحياة وخوفاً من الموت من كل الشعوب، وأنه لا يطلب الموت ولا يتخلى عن الحرص على الحياة إلى يوم القيامة.

ومنها؛ آية ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ (البقرة: 61) تخطط بهذا العنوان مستقبل هذه الأمة في كل زمان ومكان. وذلك أن القرآن الكريم يؤنب بعنف هذا الشعب الذي تغلغل الحرص والفساد في سجيته وتمكن من طبعه، ويصعفه بشدة على وجهه صفعة تأديب. وقس أنت سائر الأجزاء والجمل من قصة موسى u على هذه الأمثلة. وقس أيضاً على هذه القصة سائر القصص القرآنية. ومما لا شك فيه أنه يوجد وراء كلمات القرآن البسيطة وأبحاثها الجزئية كثير من لمعات الإيجاز. أمثال هذه اللمعات الموجزة والمعجزة المذكورة في هذا الضوء.

الضوء الخامس: هو أن لمقاصد القرآن ومسائله ومعانيه وأساليبه ولطائفه ومحاسنه جامعية فائقة.

نعم، إذا أمعن النظر في سور القرآن المعجز البيان وآياته، لاسيما في أوائل سوره وفي مبادئ الآيات ومقاطعها، فسيترائ للعين أنه احتوى جميع أنواع البلاغة، وأقسام فضائل الكلام، وأنواع الأساليب العالية، وأفراد المحاسن الكلامية، وخلاصة العلوم الكونية، ونتائج المعارف الإلهية، وجميع الدساتير النافعة للحياة الفردية والإجتماعية، وقوانين الكون السامية النورانية. ومع هذا كله لا يرى فيه أي أثر من آثار الخلط. الحق أن جمع هذه الأجناس المختلفة في موضع واحد من غير احتكاك واختلال نظام، إن هو إلا نظام إعجاز قهار. اضف إلى هذا كله أن تمزيق نقاب العاديات التي هي مصدر الجهل المركب بالبيانات القاطعة، واستخراج الخوارق الخفية تحت ذلك النقاب، وتحطيم طاغوت الطبيعة منبع الضلالة بسيوف البراهين، وتبديد حجب نوم الغفلة الكثيفة بالصيحات التي هي أشبه بالرعد، وحل طلسم الكون المغلق ولغز الخلقة اللذين أعجزا الفلسفة البشرية والحكمة الإنسانية ما هو إلا من صنع القرآن المعجز الذي يرى الحقيقة ويعلم الغيب ويمنح الهداية ويقوي الحق.