مسألة دقيقة في حق التوحيد
إن أسند كل الأشياء للواحد فالكائنات كالنخلة والنخلة كالثمرة سهولة في الإبتداع. إن أسند للكثرة فالنخلة كالكائنات والثمرة كالشجرات صعوبة في الامتناع. إذ الواحد بالفعل الواحد يحصل نتيجة ووضعية للكثير بلا كلفة ولا مباشرة، لو أحيلت تلك الوضيعة والنتيجة إلى الكثرة لا يمكن أن تصل إليها إلا بتكلفات ومبشرات ومشاجرات كالأمير مع النفرات والباني مع الحجرات والأرض مع السيارات والفوّارة مع القطرات ونقطة المركز مع النقط في الدائرة بسر أن في الوحدة يقوم الانتساب مقام قدرة غير محدودة ولا يضطر السبب لحمل منابع قوته فيتعاظم الأثر بالنسبة إلى المسند إليه وفي الشركة يضطر كل سبب لحمل منابع قوته وجهازاته.. فيتصاغر الأثر بنسبة جرمه. ومن هنا غلبت النملة والذبابة على الجبابرة، وحملت النواة الصغيرة شجرة عظيمة.. وبسر أن في إسناد كل الأشياء إلى الواحد لا يكون الإيجاد من العدم المطلق بل يكون الإيجاد عين نقل الموجود العلمي إلى الوجود الخارجي كنقل الصور المتمثلة في المرآة إلى الصحيفة الفطوغرافية لتثبيت وجود خارجي لها بكمال السهولة. وإظهار الخط المكتوب بمداد لا يرى بواسطة مادة مظهرة للكتابة المستورة.. وفي إسناد الأشياء إلى الأسباب والكثرة يلزم الإيجاد من العدم المطلق، وهو إن لم يكن محال يكون أصعب الأشياء. فالسهولة في الوحدة واصلة إلى درجة الوجوب، والصعوبة في الكثرة واصلة إلى درجة الامتناع. وبحكمة أن في الوحدة يمكن الإبداع وإيجاد الأيس من الليس (يعني إبداع الموجود من العدم الصرف بلا مدة ولا مادة ) وإفراغ الذرات في القالب العلمي بلا كلفة ولا خلطة. وفي الشركة والكثرة لا يمكن الإبداع من العدم باتفاق كل أهل العقل فلا بد لوجود ذي حياة جمع ذرات منتشرة في الأرض والعناصر. وبعدم القالب العلمي يلزم لمحافظة الذرات في جسم ذي حياة وجود علم كلي وإرادة مطلقة في كل ذرة. ومع ذلك إن الشركاء مستغنية عنها وممتنعة بالذات بخمسة وجوه متداخلة.