فان القرآن الحكيم كما أفادتنا هذه الحقائق التي مضت بنا، يشير إلى ألوف وجوه الحشر، كل وجه أمارة قوية تدل عليه، وعلى أن الخالق سبحانه وتعالى سينقلنا من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية.. ولا يذهب الظن بك أيضاً بأنه لا تطلب الأسماء الإلهية الحشر والآخرة، غير هذه الأسماء: (الحكيم والكريم والرحيم والعادل والحفيظ) فقط. بل إن جميع الأسماء المتجلية في تدبير الكون تطلبها وتقتضيها.
وكما إن الآيات التكوينية الدالة على الحشر، والتي مضت بنا ليست وحدها في هذا المضمار، فأكثر الموجودات أيضاً لها وجوه كثيرة تمتد يميناً وشمالاً.. فهي من جهة تدل على الصانع وتشهد له.. ومن جهة أخرى تومئ إلى الحشر. مثلاً حسن صنعة الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم، كما يشير إلى الصانع: كذلك استعداده الجامع الذي سيؤل إلى الفناء في مدة يسيرة من الزمن، يدل على الحشر. وأيضاً تنظيم الحكمة التي تتراءى في الأشياء، وتزيين العناية، وتوزين العدالة، وتلطيف الرحمة تدل على أنه خرجت من يد قدرة الصانع الحكيم الكريم العادل الرحيم.. كذلك إذا نظر إلى هذه الموجودات الفانية التي لا تبقى على قيد الحياة إلا زمناً قليلاً، والتي هي مظهر لهذه الأسماء اللامتناهية القوية، يتراءى من بين خلالها الآخرة والحشر.
فإذاً كل شيء ينطق بلسان حاله ويقول: «آمنت بالله وباليوم الآخر» وينطق ويقرئ..
