فسلوكه هذا الطريق الخفي الذي لا يدركه العقل من بين هذه الطرق المتداخلة المترددة بين مأتي احتمال. وسوق الكلام في ذلك السياق. وفي تلك الساحة المشتبهة الأعلام ليس بأمر جاء على سبيل الصدفة، ولا هو من شأن البشر. فهذه الحروف التي هي في أوائل السور. والتي هي رموز إلهية تحتوي على خمس لمعات أخرى مثل هذه اللمعة المذكورة، كما تحتوي على أسرار عظيمة. استخرج منها علماء علم أسرار الحروف والمحققون أسراراً كثيرةً، ووجدوا فيها حقائق جليلة. وأيقنوا بأن هذه الحروف وحدها معجزة باهرة. ونحن لا نريد فتح ذلك الباب حيث إننا لسنا من أهل أسرارها ولا يمكننا أن نثبتها بحيث يراها كل أحد، بل نكتفي بالإحالة على لمعات الإعجاز الست المذكورة في (إشارات الإعجاز) والآن نشير إلى أساليب القرآن باعتبار كل من السورة والمقصد والآيات والكلام والكلمات. مثلاً، إذا أمعن النظر في سورة (عمّ) فسيرى أنها تثبت أحوال الآخرة والحشر والجنة والنار بالأفعال الإلهية والآثار الربانية التي تجري في هذه الدنيا تثبتها بأسلوب بديع، بحيث لا يبقى مجالاً للشك فيه. وتفصيل هذا الأسلوب يطول. لذلك نشير إلى نقطتين منه فقط؛ وهما أن أول هذه السورة تقول لإثبات يوم القيامة:
نحن جعلنا هذه الأرض التي دحيت بشكل لطيف مهداً لكم، والجبال أوتاداً لمنـزلكم وحياتكم، وخلقناكم أزواجاً يأنس بعضكم ببعض، وجعلنا الليل لباساً لكم وراحةً لأبدانكم، والنهار ميداناً لمعاشكم. وجعلنا الشمس سراجاً وهاجاً، وأجرينا الماء من هذه السحب التي هي أشبه بعين الحياة. ونخلق بسهولة وفي زمان يسير من الماء البسيط شتى الأشياء التي تحمل أرزاقكم من ذوات الزهور والثمار. فإذا يوم الفصل الذي هو يوم القيامة ينتظركم. وإتيانه ليس بعزيز علينا.
ثم بعد ذلك يشير إلى أن الجبال يوم القيامة ستتناثر كالعهن المنفوش. ويتشقق السماء، فيبرهن بذلك بأسلوب خفي على وجود النار وأنها مهيأة للعصاة. وعلى وجود الجنة وأنها في انتظار المتقين.