. وألجأتهم إلى الهجرة وهيجت المسلمين شرقاً وغرباً وفتحت عيونهم حتى يستفيدوا من خزينة القرآن الحكيم. والآن نرجع إلى صددنا.

إن الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام أخبر عن كثير من الأمور الغيبية وقد وقع الألوف منها وصدقه كما أخبر. ونشير إلى عدة أمثلة منها، وقد اتفق أصحاب الكتب الستة المشهورة بصحتها وفي مقدمتهم البخاري ومسلم على أكثر الأحاديث التي سننقلها. حتى إن كثيراً منها متواتر تواتراً معنوياً وقد اتفق أهل التحقيق على صحة بعض منها فهو قطعي كالمتواتر.

 ثبت بالنقل الصحيح القطعي أن النبي r أخبر أصحابه: «إنكم ستغلبون أعدائكم جميعاً، وستفتحون مكة وخيبر والشام والعراق وفارس والقدس» وقال: «إنكم ستقتسمون خزائن قيصر ملك الروم، وكسرى ملك فارس -أكبر دولتين في العالم في ذلك العهد- بينكم»[1] وحينما أخبر عن ذلك لم يقل: آمل وأظن وإنما أخبر عن علم كأنه يراه، وقد كان كما أخبر. وكان هذا النبأ حينما أرغم على الهجرة وفي وقت كانت الصحابة عبارة عن عدد متضائل تعاديهم الدنيا حتى من كان حول المدينة.

وكذا قد ثبت بالنقل الصحيح القطعي أنه r قال مرات كثيرة: «عليكم بسيرة اللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر»[2] فأفاد بأن أبا بكر وعمر سيعيشان بعده وسيكونان خليفتين ويسعيان في تحصيل رضاء الله ومرضيء النبي، وإن عمر سيعيش كثيراً ويفتح كثيراً من البلدان. وقال أيضاً: «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها»[3] فأفاد بأن أمته ستحكم الشرق والغرب ولم تقدر أية أمة إن تحكم مثل ما حكمت وقد كان كما أخبر. وثبت أيضاً بالنقل الصحيح القطعي انه قال قبل غزوة بدر: «هذا مصرع ابي جهل، هذا مصرع عتبة، هذا مصرع أمية، هذا مصرع فلان وفلان»[4]فأرى مصرع كل من رؤساء قريش المشركين. وقال:

_______________________________________________________

[1]  - صحيح البخاري، جهاد: 157، مناقب: 25 ، صحيح مسلم، فتن: 77[2]  - انظر الترمذي، مناقب: 16/37 المترجم[3]  - صحيح مسلم، فتن: 19 ، الترمذى، فتن: 14 ، ابن ماجه، فتن: 9[4]  - انظر صحيح مسلم، جهاد: 83 ، جنة: 76 ، أبو داود، جهاد: 115